تسجيل الدخول
المجال : اكتشاف
362393

قررت أن أكتشف مثلهم.. وفعلت

img

منذ طفولته.. لم يكن يتصور نفسه في مكتب تحيطه الأوراق والمعاملات.. كان فقط.. يرى نفسه منهمكاً في عمل المختبرات والتحاليل، أو أي وظيفة لها علاقة بالطب! وكان فضوله العلمي المبكر، معززاً لرغبته تلك.. فقد كان يسأل عن الأشياء ومكوناتها، ولماذا تأتي الحرارة من مكان، وتبدو طبيعية من مكانٍ آخر؟ حتى كبر.. وأصبحت أحلامه حقيقه! فاكتشف أربع جينات جديدة لا توجد إلا في مرضى السكري، واخترع طريقة جديدة لاستخدام الجين أوكسا -131 في الكشف عن مرض السكر، وحصل على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة باسم USPTO ، كما حصل على الميدالية الذهبية في معرض جنيف للاختراع، وعلى جائزة الوايبو العالمية لأفضل مخترع، واستلم كأس الجائزة الكبرى من الهيئة الرومانية، وكرمته السفارة السعودية في لندن لاكتشافه المتميز.


وأكثر؛


كان ناجحاً بما يكفي ليقدم أكثر من أربعة عشر محاضرة في بريطانيا والسعودية، وأن يقدم ما يقارب سبعة أوراق علمية في مؤتمرات في بريطانيا، وفرنسا، أسبانياً وانتهاءاً بالكويت والسعودية. تمت طباعة اختراعه باللغتين الفرنسية والانجليزية، واستضافته قناة سويسرا في لقاء تلفزيوني، وجاءته عروض من مسوقين سويديين وإيطاليين!


هو الباحث والأكاديمي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالهادي السلطان، من مواليد محافظة الأحساء، أستاذ مساعد في علم المناعة والأحياء الطبية الدقيقة بجامعة الملك فيصل – كلية الطب، وكيل كلية الطب للشئون الأكاديمية.


البيئة صنعتني مكتشفاً!


"الحظ يحدث عندما تلتقي الفرصة بالاستعداد." سينيكا


ما قاله الفيلسوف الألماني سينيكا ينطبق تماماً على  الدكتور عبدالرحمن، فقد قاده حظه إلى أن يكون مبتعثاً لدراسة الدكتوراه في جامعة أدنبرا وهي من أرقى الجامعات  في الطب، حيث  بلغ مستواها العلمي  23 من بين جامعات العالم.. كما كان من حظه أيضاً أن الجامعة كانت تحتضن سوزن براون التي اكتشفت جين الأوكسا -51 وهو من أهم الإنجازات العلمية ويعد مرجع للكل الباحثين في مجال التخصص- و سوزن براون سيدة أربعينية تحمل شهادة الدكتوراه وباحثة من الطراز الأول.. فما كان من الدكتور عبدالرحمن إلا أن يتخذها له موجهة ومرشدة أثناء دراسته، وأن يستفيد علمياً من وجودهِ معها في نفس الجامعة..


فضلاً على ذلك، فقد كان مشرفه على رسالة الماجستير والدكتوراه  هو مكتشف جين الأوكسا -23 , وزميله الملازم له كان طالب إنجليزي يدرس مرحلة الدكتوراه وقد أكتشف هو الآخر عدة جينات أيضاً.. الأمر الذي أثار فضوله ودعاه إلى أن يسأله عن آلية الاكتشاف، فأخبرهُ بأنه أحضر عينات من مختلف أنحاء أوربا، فبلغ الحماس من الدكتور عبدالرحمن مبلغ أن اقترح على مشرفه  بأن يحضر عينات من مختلف أنحاء المملكة!


رفض مشرفه بحجة أنه عمل شاق، واقترح بأن يكتفي بإحضار عينات من المنطقة الشرقية فقط، ومن هنا كانت بداية الانطلاقة..

أحببت عملي حد الشغف حتى استطعت إنجاز عمل 10 أشخاص دون أن يشاركني فيه أحد
يقول الدكتور عبدالرحمن: "أحببت هذا العمل رغم مشقته، أحببته حد الشغف، وكان وجود دكتورة سوزن ومشرفي وزميلي حولي ومشاهدتي لإنجازهم أكبر محفز لي، وجعلني أؤمن أن الأمر مقدورٌ عليه، ولكنه يتطلب الهمة والعمل الجاد،  الأمر الذي جعلني أنجز  عمل 10 أشخاص دون أن يشاركني فيه أحد، فجمعت قرابة ألف عينة خلال شهرين، وأخذتهم معي إلى بريطانيا للكشف عن الجينات التي تعرقل مفعول المضادات الحيوية."


ويضيف: "كنت في أدنبرا أعمل بالليل والنهار مستمتعاً بما حولي من امكانيات وخدمات تساعد على ذلك، وإذا رجعت إلى المملكة في الإجازة أقضي وقتا طويلاً في المنزل أو في مقاهي الأنترنت لأحلل النتائج.


بفرصة كهذه التي أتيحت للدكتور عبدالرحمن، وبعمل جاد كالذي قام به، لم يكن النجاح المتميز مستحيلاً أبداً.. فقد استطاع اكتشاف أربع جينات جديدة لم يكن لها مثيل في العالم بعد أن تمت مطابقتها في بنك الجينات, ووثقها بواسطة جورج جاكوبي لدى (لأاهي كلينك) ليتم بعد ذلك تسجيلها رسمياً في بنك الجينات المركزي في أمريكا..

عندما تكون في بيئة مثالية للإنجاز، وحولك مبدعين ومخترعين، فإن لا شيء يمنعك من الإبداع، عليك فقط أن تؤمن بقدراتك، وتعمل بجد!
يقول الدكتور عبدالرحمن: عندما تكون في بيئة مثالية للإنجاز، وحولك مبدعين ومخترعين، فإن لا شيء يمنعك من الإبداع، عليك فقط أن تؤمن بقدراتك، وتعمل بجد!

 
الطموح يتطلب أن تدفع ضريبة أحياناً!

لكل نجاح ضريبة وثمن، ولتنجح لا بد أن تكون جريئاً بما يكفي!
مما لاشك فيه أن وجود الدكتور عبدالرحمن السلطان في بيئة كجامعة أدنبرا، وبجانب مكتشفين كبار كأساتذته، كان محفزاً لنجاحه، عاملاً أشعل الطموح والتحدي بداخله، ولكنه لم يجعل النجاح سهلاً! فلكل نجاح ضريبة وثمن، ولتنجح لا بد أن تكون جريئاً بما يكفي!

 


كان الدكتور عبدالرحمن يقضي إجازته في السعودية، في العمل على نتائج التحاليل، أما في أدنبرا فقد كان يضطر إلى أن يجلس في المعامل لوحده أحياناً لوقت طويل جداً، ليرى نتيجةً ما، فالعمل يجب أن يكون متواصلاً، وهذا لم يكن سهلاً أبدأ بالنسبة له!


يروي الدكتور عبدالرحمن بأنه كان هناك معمل بجوار المعمل الذي يشتغل فيه مختص بمحاكاة جثث ودمى بشرية نائمة على الأسرة، وكان هذا مصدر خوف وهلع بالنسبة له، فحين يفرغ المكان من الجميع وفي أوقات متأخرة من الليل كانت تأتيه تخيلات وأوهام بأنها قد تتحرك أو تكلمه وكان أحياناً يضطر إلى أن يسرع في عمله، وكان من الصعب جداً أن يعمل في ظل أفكار خائفة كهذه ولكنه كان صابراً ومثابراً، ودائماً يبحث عن حلول مرنة لتخفف عليه، فقد كان يحضر معه سي دي فيه تلاوة للقرآن الكريم لتهديء من روعه!


في يوم آخر، وفي منتصف الليل بعد أن خرج من أحد المعامل، سُرقت دراجته التي كان يتنقل عليها، مما اضطره إلى السير ليلاً في طرق موحشة وسط نباح الكلاب! وهكذا كان البقاء ليلاً في المعامل بمثابة تحدي يشجع نفسه عليه كل يوم، ويذكر نفسه بأن مستقبلاً عظيماً بانتظاره، وأن هذه المشاكل البسيطة ستنتهي لامحالة!


المُتحدِّث المسروق!


من المواقف الطريفة الصعبة التي عاشها الدكتور عبدالرحمن السلطان في مسيرته العلمية الحافلة، كانت حين ذهب لإسبانيا، وتحديداً في مدينة برشلونة في صيف  2008 ليعرض الجينات التي اكتشفتها.


بكل حماس حضر الدكتور عبدالرحمن حفل الافتتاح، وكان مستعداً تمام الاستعداد لليوم التالي الذي ستبدأ فيه الفعاليات وورش العمل، ركب  أحد القطارات الأرضية السريعة المعروفة بـ (الأندر جراند)، وهو يفكر في اليوم الذي سيلقي فيه مشاركته بالمؤتمر، توقف القطار، واكتشف أن محفظته قد سرقت منه مع الزحام، ومحفظته تحمل جميع نقوده، وبطاقاته الائتمانية حتى قيمة التذكرة التي ستعيده إلى الفندق!


يقول الدكتور عبدالرحمن: أصبحت مفلساً جداً.. ليس لدي ما يكفي حتى لأشتري طعاماً، جلست على الأرض من الصدمة وحمدت الله أني لم أحضر أسرتي معي، حاولت أن أهدئ نفسي ، وسألت عن مكان الشرطة وذهبت للتبليغ فوجدت هناك عدداً من المشاركين في المؤتمر قد تمت سرقتهم بطرق مختلفة، عرفتهم من خلال بطاقة المؤتمر المعلقة في أعناقهم، ولكن الشرطة لم تفعل لنا سوى ورقة إبلاغ، وهاتف لأتصل بالبنك وأوقف بطاقتي الائتمانية، وطلبوا مني أن أنصرف، وهنا كانت المشكلة.. إلى أين أنصرف؟


عرضت علي إحدى المشاركات في المؤتمر أن أصحبها أو أن تعطيني بعضاً من المال ولكني رفضت، والسفارة قالت لي بأن كل ما تستطيع تقديمه هو ورقة تمكنني من العودة إلى الوطن، حتى وجدت أخيراً مجموعة من العرب قدموا لي الطعام والسكن، وأعطوني مالاً لتذكرة القطار حتى أذهب لمكان المؤتمر يوم غد، وهناك وجدت مشرفي وكلي إعياء وقلق، لم أعد أفكر في مشاركتي التي سأقدمها إنما حلاً لمشكلتي هذه، فحكيت لمشرفي ما حدث وكان بصحبته طالباً كويتيا يستمع لي ثم عرض عليّ 200 يورو، وقال لي أن أعيدها له متى ما تيسر لي ذلك، فتجاوزت المحنة ولله الحمد، وقدمت مشاركتي بالشكل الذي كنت أطمح إليه، وخرجت من هذه التجربة بقصة لن أنساها، وبإيمانٍ أعمق بأن الله لا يضيع عباده، وأن كل مشكلة ستنتهي ويتم حلها!


إنجازات الدكتور عبدالرحمن:


أولاً: اكتشاف أربع جينات جديدة لا توجد إلا في مرضى السكري:


يعد هذا الاكتشاف إضافة علمية في معرفة آلية عرقلة وإبطال مفعول المضادات الحيوية، وهو يضاف إلى إنجازات سوزن براون كبيرة الباحثين في جامعة أدنبرا والتي كانت مثالاً وقدوة للدكتور عبدالرحمن السلطان في الإبداع.


فكرته : وجود هذا الجين في المسبب المرضي الذي أصاب المريض بالسكر يجعله يصنع إنزيم  يكسر حلقة (البيتا لاكتم) فيصبح مفعول المضاد الحيوي عديم الفائدة مهما أخذ منها المريض، وبالتالي لا يتماثل المريض للشفاء مما يوقع الطبيب المعالج في حيرة من أمره فيضطره إلى تبديل الدواء عدة مرات دون جدوى مما يؤدي إلى إضعاف جهازه المناعي وقد تصل الحالة بالمريض إلى الوفاة من هذا السبب.


ثانياً: اختراع  طريقة جديدة لاستخدام الجين أوكسا -131 في الكشف عن مرضى السكر الذين هم عرضة للخطر بالإصابة بعدوى متعددة المقاومة:


يهدف هذا الاختراع إلى الكشف عن مرضى السكري المعرضين للخطر بعدوى متعددة المقاومة، وتعتمد فكرته على تحويل هذا الجين إلى برايمر ذو أتجاهين،  فإذا ظهر هذا الجين مجاوراً لجين آخر متنقل يسمى أي أس أبا واحد ( (ISaba1 لدى المريض فهذه علامة تعرض المريض للخطر، وعلى الطبيب المعالج أخذ الحذر والحيطة والبحث عن خيارات أخرى للعلاج قبل أن تتعقد الحالة مرضياً، وقد حقق هذا الإنجاز براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة باسم USPTO  .

 

باختصار:

 

الدكتور عبدالرحمن السلطان.. ابتدأت حياته كطفل فضولي وطموح، ما يميزُه أنه كان يعرف ماذا يريد، ويخطط ويصبر كثيراً للحصول عليه.. جاءته فرص من ذهب، درس في جامعة مميزة، واختلط بعلماء أعلام في مجالهم.. فلم يرضى لنفسه إلا أن يصبح واحداً منهم..


قصته.. هي قصة حظ.. سبقهُ استعداد.. وتلاها عمل جاد.. فانتهت باكتشاف علمي مميز!
 

فيديو: الدكتور عبدالرحمن السلطان أثناء استلامه الجائزة:
http://www.youtube.com/watch?NR=1&v=lQM_NPMP8uU&feature=endscreen