تسجيل الدخول
التصنيف :

#موهبة#إبداع#

8753

الموهوبون والمبدعون بين الانطوائية والانبساطية INTROVERSION & EXTROVERSSION

 


يختلف الأفراد بشكل كبير في الأسلوب الذي يظهرونه في حياتهم الاجتماعية، ففي الوقت الذي يميل البعض لأن يكونوا انبساطيين، يميل البعض الآخر لأن يكونوا انطوائيين. وتؤثر الفروق في الشخصية في هذين البعدين على الإبداع والقيادة، فالعديد من المبدعين انطوائيون بدرجة متطرفة، ويكشفون أحيانا عن ازدراء للعلاقات الاجتماعية المألوفة (Cattell, 1963, Roec, 1952). هنري كافندش . H RCavendish مثلا الذي اكتشف الهيدروجين وقام بحساب كتلة الأرض لم يكن يخاطب النساء ولم تزد كلماته لأي رجل عن بضعة كلمات. أما الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من القيادة فعلى العكس من ذلك لا يمكنهم أن يكونوا من هذا النوع من الانطواء.

وقد يشير ميل المبدعين إلى تعزيز ذواتهم إلى أنهم انبساطيون وليسوا انطوائيين. لكن نتائج البحوث المتاحة تظهر قدراً من التضارب حول ذلك. في تحليله للعبقرية الخلاّقة من وجهة نظر داروينيه (Darwinian, perspective)، استنتج سيمونتون (Simonton,1997) أن العبقرية الإبداعية تتطلب الحد الأدنى من الذكاء والمعرفة، بالإضافة إلى القدرة على إيجاد الترابط، وإدراك العلاقات المتباينة بين الأفكار. أما عن شخصيتهم، فيتميز العباقرة المبدعون بأنهم منفتحون على الخبرة المتنوعة، ويتحملون الغموض، ولديهم عدد كبير من الاهتمامات. وهم يحبون عملهم، كما أنهم انطوائيون، وربما يكونون مستقلين بشكل مفرط. 

وقد لخص ايزنيك (Eysenck,1993) أن أهم مواطن القوة في شخصية المبدعين التي توصلت إليه الأبحاث في: (1) الاستقلالية، (2) الانطوائية، (3) المرونة، (4) الاهتمامات الواسعة، (6) تقبل الذات، (7) الأنانية، (8) التطرف، (9) رفض القيود الخارجية. ومع أن نمط الخصائص الشخصية تختلف بوضوح وبدرجة كبيرة من شخص منتج إبداعي لآخر، فمن المحتمل أن هذه العوامل مجتمعة هي غالباً ما يتصف به المنتجون إبداعياً.

وقد وضع "فيست" و"بارون"  (Feist & Barron, 1996)الانطوائية في صفحتهما البيانية للشخصية المبدعة، كما وجد "تشيك" و"ستاهل" (Cheek & Stahl, 1986)  أن الخجل يرتبط ارتباطًا دالاً بالطاقة الإبداعية عند الأطفال، لكن عددًا كبيرًا من البحوث أشار إلى ارتباطات هامشية (ضعيفة) بين الانطواء والإبداع. ويبدو أن ذلك يعتمد كثيرًا على المجال الذي يعمل فيه الشخص أو يهتم به. والاحتمال الآخر هو أن ما يبدو أحيانًا انطواء قد يكون مجرد تركيز على المهمة أو التزام بها؛ فالأشخاص المبدعون، في نهاية المطاف، مثابرون ومدفوعون بقوة لإكمال عملهم ومشاريعهم. ولهذا السبب فإنهم يقضون وقتًا طويلاً في جهودهم الإبداعية، ويقتطعون هذا الوقت من أوقات الأنشطة الأخرى، مثل المشاركات الاجتماعية.

وقد وجد "بيجيتو" (Beghetto,2006) أن الطلاب مرتفعي الكفاءة الذاتية الإبداعية يقضون مع أصدقائهم وقتًا مماثلاً للوقت الذي يقضيه الطلاب الآخرون، وهم أكثر نشاطًا في الفرق الموسيقية، والدراما، والمجموعات الاجتماعية المشابهة لهم. وهذا بالتأكيد لا ينسجم مع الفكرة التي ترى أن الانطواء صفة رئيسة للإبداع. 


الانطوائية والأقران

وقد ذكرت كلّ من وينر (Winner,1996) وسيلفرمان (Silverman,1993) أنّ الأطفال والراشدين الموهوبين يميلون إلى الانطواء أكثر من ميلهم إلى الانبساط – لا سيّما إن كانوا موهوبين جدًّا – وأنّ هذا الميل إلى الانطواء يكون لدى الموهوبين، أكثر ممّا هو لدى الآخرين. ومع أن بعض الأطفال الموهوبين انبساطيون ومنفتحون، إلا أن معظمهم يكونون انطوائيين عند مقارنتهم بالأطفال العاديين. فعندما نجمع بين الانطوائية وعدم الانسجام المتكرر بين الأطفال الموهوبين وأقرانهم (فيما يتعلق بالاهتمامات، والمهارات، والمعرفة، والحس المرهف)، لن يكون من المستغرب أن يجد الأطفال الموهوبون، خاصة ذوي الموهبة العالية، أن هناك قواسم مشتركة قليلة يشاطرون فيها أقرانهم من العمر نفسه.

ومن غير المرجح أن يقترب الأطفال الانطوائيون من أطفال جدد، بل إنهم على الأرجح سينتظرون الآخرين حتى يبدؤوا صداقاتهم معهم. وهم يحتاجون إلى وقت يلاحظون فيه الموقف عن كثب قبل الانخراط فيه، ولا يشعرون بالحاجة إلى كثير من الأصدقاء كما يفعل الانبساطيون. وقد لا يكون هؤلاء الأطفال، أحيانًا، قد تعلموا كيفية اختيار الأصدقاء. فبعض الأطفال الموهوبين يكونون مشغولين بأفكارهم واهتماماتهم حتى أنهم يتجاهلون الآخرين. وفي مثل هذه الحالات يتعيّن على الوالدين والمعلمين أن يدركوا أن العالم الموجود في ذهن الطفل أهم عنده من علاقاته الاجتماعية بالزملاء. لكن مساعدة الطفل على فهم أن الآخرين قد ينفرون من سلوكه يمكن أن يرفع من وعيه بأن تفاعله الاجتماعي الضعيف يمكن أن يهزمه من الداخل، وأنه سيكون بحاجة إلى التغيير.

إن الوقت الذي يقضيه الطفل وحيدًا يقلق الوالدان أحياناً من اقتناع طفلهم باللعب وحده. ويقولون: «إنه يفضل أن يبقى في البيت ويبني أشكالاً بالمكعّبات أكثر من اللعب مع الأطفال الآخرين». وفي المدرسة، يفضل أن يقرأ كتاباً على أن يلعب في الخارج مع الأطفال الآخرين. وفي بعض الأحيان يجد الأطفال الموهوبون زملاء في الشخصيات التي يقرؤون عنها في الكتب عندما يكونون وحيدين. ولا شك في أن الوقت الذي يقضيه الطفل وحيدًا مهم لكثير من الأطفال الموهوبين، ولا سيما الانطوائيين. وربما كان هذا الوقت ضرورياً لتطوير قدرات الفرد. وقد خلص بحث «باربارا كير » (Kerr, 1997)  إلى أن الفتيات الموهوبات اللاتي أصبحن مشهورات، يشتركن في صفة عامة، في أنهن جميعاً كنّ يحتجن إلى قضاء كثير من الوقت وحيدات، حتى يقرأن أو يتابعن ما بدأنه سابقًا. كما وجدت باربارا كير أن جُلّ أولئك الفتيات لم يتمتعن باحترام اجتماعي، وإنما كنّ حريصات على الحضور فقط. لقد كان بعض الأطفال الموهوبين، على الرغم من قدرتهم على اللعب التفاعلي، يفضلون قضاء وقت كبير في ألعاب انفرادية، فيعبثون بالأشياء أو يبتكرون بعض الأشياء أو يقرؤون بهدوء.  


متى يُعدّ وقت الوحدة أكثر مما ينبغي أو مقلقاً للمربين؟ 

بعض الأطفال الموهوبين يريدون فعلاً أن يكونوا منعزلين اجتماعياً. وأحد المؤشرات على ذلك هو محاولة تقرير ما إذا كان الطفل يقضي هذا الوقت بمحض اختياره، أم أنه يفعل ذلك لنقص مهاراته الاجتماعية أم لعدم قدرته على تكوين العلاقات. وعلى الوالدين أن يطرحا الأسئلة التالية:

● هل يقضي طفلي وقته وحيداً لأنه يفتقر إلى المهارات الاجتماعية؟

● هل يخاف من الرفض؟

● هل يستمتع حقاً بالوقت وحيداً؟

● هل يساعده وقت الوحدة على التركيز على الأفكار الممتعة والأنشطة التي يفكر فيها؟

إذا كان الطفل قادرًا على التفاعل بسرور بين فترة وأخرى مع رفاق اللعب الذين يشاركونه في اهتماماته وقدراته، فلن يكون هناك ما نقلق بشأنه. وهو يفضل، على الأرجح، قضاء الوقت في قراءة كتاب على قضائه مع أترابه الذين لا يشاركونه في كثير من الاهتمامات. وعلى أية حال، إذا شعر الوالدين أن هناك أسبابًا منطقية تجعلهما قلقين على تفاعل طفلهم الاجتماعي، فإنه يمكنهم طلب النصيحة أو الاستشارة من أحد المختصين حول هذا الموضوع. فالوقت الذي يقضيه الطفل وحيدًا مهم ولكنه ليس ضارًا بالضرورة. فطفولة كثير من الموهوبين والمبدعين الذين حصدوا ميداليات عديدة من الأولمبياد هي أبعد ما تكون عن النمط العام. فقد كان هؤلاء يقضون ساعات كثيرة وهم وحيدون يطوّرون فيها مواهبهم، وكانوا على الأغلب يتعلمون في البيت أو يتتلمذون على يد معلم خصوصي. وكانت حياتهم الاجتماعية محدودة في أوقات ذروة التدريب أو الأداء. ومع ذلك، فقد تحول معظم هؤلاء الأطفال إلى خبراء ماهرين عندما تقدموا في العمر، بغض النظر عن مدى استمرارهم في تحقيق إنجازات في مجالات مواهبهم.

 


الكاتب:

د. أسامة إبراهيم