تسجيل الدخول
التصنيف :

#موهبة#

11799

التربية بالعاطفة

مدخل:
 
بعض أولياء الأمور يعتقدون أنهم يحبون أطفالهم وأنهم يعبرون عن ذلك الحب بالطريقة الصحيحة.

ولو سألنا أحدهم، ما دليل ذلك الحب؟

 فسيقولون مثبتين بالأدلة والبراهين بأنهم يزودونهم بمصروف جيد كل صباح، ويعلمونهم في أفضل المدارس.

 أحد الأمهات قد تقول بأنها تلازم طفلها طوال الوقت وتراقبه في كل حين وتؤمنه من كل خطر. أما حين تذهب معه إلى مدن الملاهي فلا تدعه يركب إلا ما تختاره هي له من ألعاب زعماٌ بذلك أنها تعبر له عن حبها وتحميه.

ولو حاولنا استقراء مخرجات هذا النوع من الحب وهذه الآلية في التربية فسنجدها إحدى حالتين؛ إما أن ينشأ الابن خائفا اتٍّكالياً مستأنساً بهذا النوع من الحماية وإما أن ينشأ حانقاُ من هذه القيود متمرداُ عليها وعلى الحب إن كان بهذه الطريقة.

في قاموس العاطفة: السلام لا يتطلب أرضا! 

هناك نوع آخر من التربية وهو الذي ينتهج "مبدأ الأرض مقابل السلام" أو ما يسمى بالحب المشروط وأحد أبرز أمثلته: " أنا ما أصير أحبك إذا ما عملت واجباتك", " إذا ما أكلت فطورك أنا ما راح أبوسك" أما إذا ما جبت علامة كويسة في الاختبار أنا ما أصير أبوك خلاص أصير أبو أحمد ولد الجيران".

في مثل هذه الحالة؛ سيسعى الابن في أول الأمر إلى كسب رضا والده و والدته والتنعم بحبهم وسيحرص بالتأكيد على قبلة الصباح والمساء، لكن ما إن يتكرر الأمر كثيراً وتخرج المتطلبات عن قدرة الابن حينها سيقول لهم "ليهنأ أحمد ولد الجيران بحبكم فلا بواكيَ عليه".

المنطق وحده لا ينجح دائما!

من جهة أخرى، إن التعامل بحكم العقل لا يجدي في معظم الأحيان إن لم تسانده العاطفة، فقد يحقق طفلك أعلى درجة في الصف في مادة الرياضيات إذا خاف من تأنيبك لكنه - في المقابل- لن يفكر أبعد من ذلك، ولن يحاول أن يكسر القاعدة ليكتشف حلاً جديداً للمسألة!.

إن مثل هذه الأمثلة لتؤكد ضرورة الحاجة إلى إعادة صياغة مفهوم العاطفة ودورها في تنشئة الأبناء بصورة صحيحة قادرة على استيعاب المحيط الخارجي من حولهم والتفاعل معه بإبداعية وبمهارة أكبر. فالالتصاق الآمر المتسلط بالأبناء لن يعلمهم شيئا، والبعد الجاف سيشعرهم دوماً بنقص في الثقة والخوف من كل ما يحيط بهم. لكن التربية بالعاطفة في المقابل إن كان معها شيء من الحزم فإنها تنمي مهارات الطفل الاجتماعية وتسوق الانتباه وتصنع المعنى وتحرك القوى والرغبات لتحقيق الأهداف التي يمليها العقل والمنطق.

الحب وحده لا يكفي إذا ظل صامتاً!

الأغلبية لا شك يحب أبنائه فالحب في حد ذاته ليس المشكلة وإنما المشكلة هي في فلسفة كل منهم في التعبير عن ذلك الحب وقدرتهم على التخاطب بها؛ وبما أن الإنسان لا يدرك إلا ما يرى فإن الابن لن يفهم ذلك الحب وتلك العاطفة ما لم يشعر بها.

وعليه فإن ممارسة أبجديات الحب من قبل الوالدين ضرورة للوصول إلى لغة حب راقية وجو تربوي إبداعي، وهذه الأبجديات هي: كلمة الحب ونظرة الحب ولقمة الحب ولمسة الحب ودثار الحب وضمة الحب وقبلة الحب وبسمة الحب.

فمالذي يمنع الأب أو الأم من أن يقول لابنه "أنا أحبك يا ابني" ، و مالذي يمنعهم من أن ينظروا إليهم بحب ويطعموهم بأيديهم ويغطوهم إذا حل المساء؟

قد يقول أحدهم ابني نائم ولن يدرك ذلك، لكن الأمر في حقيقته أن الابن سيستيقظ وهو مفعم بتلك الأحاسيس التي أودعها إياه والده وقت المساء. ولا يقل عن تأثير ذلك الدثار، تأثير بسمة الحب وقبلة الحب فلا شك أن لها مفعول السحر في التحفيز الإيجابي ولا شك أنها التعبير الأصدق على ما تكنه النفوس، ولولا ذلك لما استنكر الرسول الكريم على الأعرابي الأقرع بن حابس الذي قال عندما رأى الرسول يقبل أحد سبطيه إما الحسن وإما الحسين فقال: " أتقبلون صبيانكم؟!! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم!!" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك".

إضافة إلى ذلك فإن لغة الحوار تلعب دوراً مسانداً للغة الحب؛ فمحاورتك لابنك ستعني له أنك تحبه وتهتم به وتحترم شخصيته ورأيه الأمر الذي سيجعله أكثر طلاقة ومرونة وأكثر انفتاحاً وهذا كما هو مؤكد ومعروف أحد الأساليب المحفزة على الإبداع.

ولكن على الأب حين يحاور ابنه أن يلتزم بأبجديات الحب الآنفة الذكر  فلا ينسى كلمة الحب "يا حبيبي أنا أحبك- يا حبيبي أحسنت رأيك أفضل من رأيي" ولا ينسى أن يجلس بجانبه تماماً كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان {يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه على فخذيْ محدثه ويقبل عليه بكله } . وقد ثبت الآن أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات . فإذا أردتُ أن أحدث ابني أو أنصحه فلا نجلس في مكانين متباعدين لأنه إذا جلستُ في مكان بعيد عنه فإني سأضطر لرفع صوتي [ ورفعة الصوت ستنفره مني ].

هناك أفكار أخرى من شأنها أن ترأب أي صدع عاطفي وتعيد العاطفة إلى تدفقها الجميل، كأن تلصق له بطاقة اعتذار في لوحة حائطية إن أسأت فهم ابنك ذات يوم. وأن تقدم له هدية كعربون حب وصداقة حين تتغيب عنه طويلا لأجل العمل.

أما إن أحسست بفجوة طارئة أو مشكلة يحاول إخفائها فعليك أن تحاول أخذه في رحلة معك وحدكما أو أن تشترك معه في هواية كركوب الخيل مثلاُ وتذهبا لممارستها في النادي سوياً، فإن تصرف مثل هذا سيجعله يرتاح ويشعر بالثقة ويصارحك بما أخفاه عنك.

 مثل هذه الأبجديات كفيلة بأن تمنح الابن الشعور بالراحة وتدفعه إلى العطاء وتحفزه على التفكير والإنتاج والانجاز و بالتالي تمنحه الثقة التي تساعده على التطلع إلى ما وراء الأمور والتجاوز بالتفكير إلى أبعد من حدود المألوف للخروج بإنتاج إبداعي غير مسبوق.


الكاتب:

آسية بنت سعود آل رشود