تسجيل الدخول
التصنيف :

#موهبة#إبداع#ابتكار#

1367

هل نملك سقفاً أعلى من التفكير؟

 كتبت قبل فترة مقالاً أشرت فيه إلى توقف "متوسط الذكاء العام" في الدول المتقدمة واستشهدت بإرشيف اختبارات الذكاء في اليابان والدنمرك وفنلندا وإيرلندا وألمانيا.. غير أن الحديث عن (توقف مستوى الذكاء) لا يعني حتمية الغباء والتخلف لأن هناك شعوباً لم يرتفع فيها متوسط الذكاء أصلاً، في حين يبقى احتمال وصول الشعوب المتقدمة إلى "سقف أعلى" يصعب على الدماغ البشري تجاوزه أصلاً! والحقيقية هي أن علماء النفس والأعصاب لا يعلمون إلى اليوم إلى أي حدّ يمكن لذكاء الإنسان أن يرتفع.. فمن الملاحظ عموماً أن ارتفاع مستوى التعليم والمعرفة (ناهيك عن التعقيد التقني والانفتاح والعولمة) ترفع كلها من متوسط ذكاء المجتمع.. فمستويات الذكاء ارتفعت بين الأجيال الأوروبية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل واضح ومؤكد. وهي ظاهرة لوحظت في دول مثل بريطانيا التي سجل فيها ذكاء الأطفال ارتفاعًا قدره 27 نقطة منذ عام 1942 وفي أمريكا 24 نقطة منذ عام 1918 والأرجنتين وأوروبا واليابان وكندا والصين وأستراليا ونيوزيلندا (بمتوسط20 نقطة) منذ عام1950.



وهذه الظاهرة غير المسبوقة في التاريخ تم التأكد منها لأول مرة بفضل أبحاث البروفيسور جيمس فلاين من جامعة أوتاجو (في نيوزلندا) الذي اختبر عام 1987 متوسط ذكاء الأطفال في 14 بلداً ثم قارنها بالنتائج المتوفرة منذ عام 1950 فوجد طفرة حقيقية في المتوسط العام.. كما راجع سجلات الجيش في هولندا وبلجيكا والدنمرك (حيث يخضع المجندون الجدد لاختبارات الذكاء) فوجد أن متوسط الذكاء ارتفع لدى الجيل الجديد بمعدل 25 نقطة!!


أيضا درس هذه الظاهرة البروفيسور روبرت هوارد من جامعة نيوساوث ويلز في استراليا وتوصل لنتائج مشابهة وجمع أدلته من امتحانات الذكاء، والألعاب الذهنية (كالشطرنج والبريج) وقدرة الأطفال على الاستنباط والتحليل؛ وأتت النتائج إيجابية وحقق الأطفال من كل الدول مستويات أعلى من آبائهم وأجدادهم! فأطفال اليوم يملكون ميزة نوعية تتمثل في ارتفاع مستويات التعليم والثقافة والانفتاح والاطلاع وتمازج الأفكار أكثر من آبائهم وأجدادهم. وهذه الميزة ساهمت في رفع متوسط ذكائهم مقارنة بأقرانهم في الأجيال الماضية ليس بسبب تغير مادة الدماغ ذاتها بل بسبب توسع المدارك وتراكم المعارف الجديدة.. وكي تفهم الفكرة بشكل أفضل تخيل مستوى فهم رجل يعيش في جزيرة العرب قبل 500 عام فقط ومدى معرفته بالجغرافيا والتاريخ والفلسفة ووجود شعوب تعيش على بعد ألف كيلومتر فقط ناهيك عن وجود فنزويلا والأرجنتين وحلقات زحل وتقنية النانو والوجة المظلم للقمر...!


لهذا السبب لا تستغرب إن أخبرتك أن ذكاء أطفال اليوم أصبح يضاهي عبقرية الأفراد قبل قرنين من الزمان.. بل لاحظ كيف أن ذكاء الأطفال (حتى على مستوى العائلة الواحدة) أصبح واضحاً من خلال تفوق الأبناء على آبائهم في استعمال الكمبيوتر وألعاب الفيدو وتعلم القيادة وإتقان اللغات الأجنبية بسرعة مدهشة! وحين يبدي الخبراء اليوم خشيتهم من توقف متوسط الذكاء في الدول المتقدمة؛ فلأن الدول المتقدمة هي الأقدر على أخذ أجيال المستقبل لمستويات جديدة من الذكاء لا نعرفها حاليا (وبالتالي الاطمئنان إلى تمتعنا بعقول يمكنها اختراق كافة الأسقف المفترضة للفهم والمعرفة)!!


أنا شخصياً على قناعة بأنه كما توجد في مملكة الحيوانات مخلوقات لا يمكنها الارتفاع بتفكيرها وفهمها فوق سقف معين، نملك نحن البشر أيضاً سقفاً أعلى من الذكاء لا يمكننا تجاوزه أو الارتفاع فوقه (أو حتى تخيل وجوده)!!


وهذا أيها السادة يعني حتمية وصول جميع البشر (في المستقبل البعيد) إلى سقف موحد من الذكاء ومتوسط مشترك من الفهم يتساوى عنده الجميع.


حينها فقط يمكن القول إننا أصبحنا رأساً برأس مع الجابانيز!


الكاتب:

فهد الأحمدي