تسجيل الدخول
التصنيف :

#موهبة#إبداع#ابتكار#

1087

اهتمامات اليوم تحدد مكانك بعد عشر سنوات

​​​​تخيل نفسك وأنت تمر يومياً بجوار قطعة أرض كبيرة شاغرة مليئة بالرمال وفي يوم من الأيام تلاحظ أن مجموعة من العمال بدأت بالحفر فيها شيئاً فشيئاً، وتلاحظ تطور العمل في الأرض يوماً بعد يوم، حيث بدأ العمال بوضع أحجار الطوب بجوار بعضها البعض. إنه منظر مزعج وقبيح فالمعدات في كل مكان والأتربة في كل مكان ويبدو الوضع عشوائياً مزعجاً ولكنك تعودت على المنظر لدرجة أنك لا تلاحظ التطور التدريجي في البناء ولا تلاحظ أن المبنى بدأ في الارتفاع شيئاً فشيئاً لأنك تمر يومياً بجواره فتتعود عيناك على المنظر وتغفل التركيز على التغييرات ما بين الأمس واليوم وأخيراً وبعد عدة سنوات من العمل انتهى المبنى وصار مَعْلَماً كبيراً قد يكون للبعض هو برج خليفة وللبعض توسعة الحرمين أو جامعة الملك عبدالله، ولآخرين النفق تحت البحر بين بريطانيا وفرنسا. لنحاول فيما يتبقى من المقال أن نقتبس بعض الدروس والعبر من هذا المنظر الذي مر به كثير منا في حياته اليومية. 

المشاريع الكبيرة تبدأ بفكرة وإرادة 


لنفترض أن هذا المشروع هو برج خليفة أو حتى جامعة الملك عبدالله ولنفكر كيف بدأ المشروع؟ 

 
قبل عدة سنوات من الآن بدأ الموضوع بفكرة في عقل شخص جاد بادر بشكل إيجابي لتحويل فكرته لواقع وما أكثر الذين يحملون أفكاراً رائعة لكنهم لا يبادرون لتنفيذها ويحبطون الأفكار من بدايتها، أو هؤلاء الذين تبقى أفكارهم أحلاما ولا يبذلون الجهد لتطبيقها. خذ العبرة وفكر من الآن أين تريد أن تكون بعد 10 سنوات وبشكل واضح ومحدد، فلا تقل مثلاً إنك ترغب أن تكون رشيقاً لأن كلمة رشيق تحمل عدة معانٍ تختلف باختلاف الأشخاص، ولذا من الأولى أن يقول شخص وزنه 400 كلغم إنه يرغب بعد عشر سنوات أن يخسر 250 كلغم. 

 
ادرس وضعك وضع خطة توصلك لرؤيتك المستقبلية 

 
فكرة البرج وجامعة الملك عبدالله تحولت لخرائط هندسية وتصاريح قانونية وتمويلات مالية ساهمت كلها وبالتدريج في تحويل الفكرة لحقيقة من خلال خطة عمل واضحة وضعت قبل عدة سنوات، نتج عن الالتزام الدؤوب بتلك الخطة برج ضخم يعتبر معلماً عالمياً. بنفس الطريقة لا تكتفي بالتفكير أين تريد أن تكون، وبادر بالجلوس مع نفسك وادرس وضعك من حيث نقاط الضعف والقوة والفرص والتحديات المتوافرة، ثم اكتب خطوات محددة سيؤدي التزامك بها وبشكل متواصل للوصول لرؤيتك بعد عشرة سنوات بمشيئة الله. 

 
كن فعالاً في كتابة الخطة 

 
لا بد أن تكون الخطة محددة وقابلة للتحقيق ويمكن قياسها وواقعية ومرتبطة بزمن محدد، فلا يصلح مثلاً أن تقول أود أن أقرأ كثيراً، والأفضل أن تقول إنك ترغب في أن تقرأ كتابين في تنظيم الوقت كل شهر. فقراءة كتابين مسألة محددة بموضوع تنظيم الوقت، فالمسألة ليست مفتوحة بل موضوع القراءة واضح ومحدد بطريقة واقعية وقابلة للتحقيق ومرتبطة بزمن محدد يمكن في نهايته قياس مقدار ما تحقق من قراءة الكتابين. 

 
قم بتجزئة المشاريع الكبيرة 


إحدى الوسائل الفعالة للتعامل مع المشاريع الصعبة هو تجزئتها لمشاريع أصغر، فلابد لطالب الثانوية الذي يرغب في الدكتوراه في تخصص معين، لا بد له من تجزئة رؤيته لتكون على مراحل تبدأ بالانتهاء من الثانوية وبعدها البكالوريوس وبعدها الحصول على بعثة وبعدها الماجستير وبعدها الدكتوراه، وستختلف خطة العمل في كل مرحلة عن التي تليها ولكن تجزئتها تساهم وبفعالية في تحقيقها على المدى الطويل. 
 

 
 
تابع تنفيذ الخطة 


اختيار الأهداف القابلة للقياس والمرتبطة بزمن محدد يمكنك بعد انتهاء الفترة المحددة من تقييم أدائك في الالتزام بالخطة من خلال قياس مقدار ما أنجزته من هدفك، فلو كان هدفك هو قراءة كتابين في موضوع معين خلال شهر، فيمكنك في نهاية الشهر أن تقيس إن كنت أنهيت كتابين أو ثلاثة أو كتاب ونصف، أو لم تتمكن من إنهاء حتى كتاب واحد، وهذا الأمر سيساعدك في تعديل خطتك، فقد تكون خطتك غير قابلة للتطبيق لأنك بالغت في تحديد أهداف الخطة، وقد يكون من الأنسب منح نفسك فرصة شهرين أو ثلاثة بدلاً من شهر واحد من أجل تحقيق الأهداف، كما قد تكتشف من خلال المتابعة أنك تضيع وقتاً كثيراً يمكنك إعادة استغلاله لإنهاء الكتابين في شهر واحد كما كنت ترغب. بشكل عام، متابعة تنفيذ الخطة مسألة حيوية للاستمرار بإيجابية وواقعية في تطبيق الخطة التي ستوصلك -إن شاء الله- حيث تريد بعد سنوات من الالتزام بها. 

 
 
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة 


إن مشاريع برج خليفة وتوسعة الحرمين والنفق تحت البحر بين فرنسا وبريطانيا وجامعة الملك عبدالله، بدأت بعامل يحفر بمعول في الأرض وهو أمر بسيط جداً لكنه جزء من خطة منظمة وعمل مرتب يتراكم شيئاً فشيئاً لينهي المهمة المطلوبة وبالتدريج، وضربة المعول تلك هي التي بنت المشاريع الضخمة بعد كل تلك السنوات، فلا تحقرن من المعروف شيئاً، وخير الأعمال أدومها وإن قل. 

 
اصبر وثابر ولا تستعجل النتائج 


ما الذي ستقوله الآن وبعد أن شاهدت نتائج سنوات طويلة من العمل لذلك العامل الذي قرر وبعد أسبوع من الحفر أن يتوقف بعد أن نظر لناتج الحفر وقرر أنه لا فائدة منه، فمن غير المعقول أن ينتج عن هذا الحفر برج عالٍ من أعلى أبراج العالم، أو قال وهو ينظر لجبال مكة إنه لا فائدة من كسر هذه الحجارة، فمن غير المعقول أن تتحول هذه الحجارة إلى جزء من الحرم يصلي فيه الناس، ماذا ستقول لذلك العامل وأنت تعرف اليوم ما نتج عنه ذلك الحفر؟ من المؤكد أنك ستقول له اصبر وثابر في عملك والتزم بخطتك ولا تستعجل لأنك سترى نتيجة عملك بعد سنوات من الآن. 

 
أليس من الأولى لك أنت أن تطبق نصيحتك على نفسك وتستمر في أداء ما هو مطلوب منك، وتصبر على النتائج التي لن تظهر إلا بعد سنوات من العمل الدؤوب المتواصل، فالمثل يقول إن من جد وجد ومن زرع حصد، فتوكل على الله والتزم بما سيحقق لك النجاح مشيئة الله وتوفيقه- فعملك اليوم سيحدد مكانك بعد عشر سنوات، فاختر من الآن أين تريد أن تكون واعمل من أجل تحقيق ذلك، ولا تكن ممن تمر عليهم السنون والأيام وهم ما زالوا كما هم في أماكنهم. 




الكاتب:

د.نزيه العثماني